تتميز ماليزيا بتنوع عرقي وديني كبير؛ فالأصول السكانية تعود إلى ثلاث قوميات عرقية مختلفة، وهم الملايو والصينيون والتاميل (الهنود)، ويشكل الملايو المكون الأكبر من التشكيل السكاني في ماليزيا، حيث يمثلون حوالي 60 % من إجمالي عدد السكان يدين أغلبيتهم الساحقة بالإسلام، فيمثل نسبة المسلمين حوالي 61% من إجمالي عدد السكان، ويأتي في المركز التالي من حيث الانتشار الديانة البوذية بنسبة 19% تقريبًا، ثم المسيحية بنسبة 9%، وأخيرًا الهندوسية بنسبة 6.3%، ثم بعض الديانات الأخرى التي يمثل متبعوها حوالي 3% من جملة عدد السكان.
ومع هذا التعدد الإثني والتنوع العقدي في ماليزيا كان للمؤسسات الدينية على وجه العموم دور كبير في حفظ الاستقرار والتعايش السلمي بين تلك الأطياف المختلفة، ومن ضمن تلك المؤسسات مؤسسة الفتوى في ماليزيا.
والمؤسسة المنوط بها الفتوى في ماليزيا هي دار الإفتاء، ويقوم برئاستها المفتي الفيدرالي الماليزي، وتلك الجهة هي الجهة المتخصصة في الفتوى، ولا يجوز لأحد أن يُفتي في ماليزيا وفقًا للقانون؛ فالقانون حصر الفتوى في دار الإفتاء، وهو ما يجعل عملية الفتوى خارج دار الإفتاء معرضة لعقوبات قانونية، لذلك فإن الفتوى الرسمية هي المعتمدة، أما الفتاوى والآراء خارج دار الإفتاء فهي ليست ذات قبول لدى الشعب الماليزي.
وقد تقدم السفير الماليزي بالقاهرة بطلب إلى الدكتور شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم؛ بتكليف من الحكومة الماليزية؛ لمراجعة وتحقيق قواعد الفتوى وفق المعتمد عند المذاهب الفقهية الأربعة، تمهيدًا لضبط عملية الفتوى في ماليزيا، وتعميم ذلك على مستوى الولايات في لجان الفتوى المنتشرة في جميع أنحائها.
وفي أثناء فعاليات مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم "دور الفتوى في استقرار المجتمعات" صرح الشيخ ذو الكفل البكري المفتي الفيدرالي لدولة ماليزيا "بأن الفتوى في ماليزيا لا تصدر إلا من الجهة الرسمية، ولابد لها من توافق وإجماع حولها لمنع الخلاف".
وتُولِي دار الإفتاء الماليزية أهمية كبيرة لقضايا الإرهاب والتطرف، وتعتبر تلك التنظيمات الإرهابية هي أبرز المخاطر التي تهدد أمن الدول الإسلامية بما تسعى إليه من تفتيت تلك الدول وإشعال الحروب والفتن فيها، ولذلك فإن مواجهة الفكر المتطرف أحد أهم المهام التي ترى دار الإفتاء الماليزية أنها من أخص وظائفها، وقد أشار مفتي ماليزيا في وقت سابق إلى الجهود التي تبذلها دار الإفتاء الماليزية في مواجهة الفكر المتطرف، فقال أثناء فعاليات مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم "دور الفتوى في استقرار المجتمعات": "أصدرنا كثيرًا من الفتاوى؛ لتحصين ومنع الماليزيين من الانضمام إلى الجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة، وتعمل دار الإفتاء بشكل كبير ومتواصل من أجل حماية أبناء الشعب الماليزي، من خلال السير على نهج الأزهر الشريف في تبني المنهج الوسطي المعتدل بما يخدم الإسلام والمسلمين".
ويمكن للطالب أو للباحث الاستفادة من المعطيات السابقة في تكوين صورة عامة ومختصرة يمكن من خلالها اختيار موضوع لأطروحته يتعلق بحالة الإفتاء في ماليزيا أو الهيئات المنوط بها الفتوى هناك، ودورها في المجتمع الماليزي، ونحو ذلك من الموضوعات التي لها علاقة بالإفتاء والتمثيل الديني والمؤسسات الدينية.
ويحتاج الباحث الأكاديمي المعني بمتابعة وتحليل حالة الفتوى في دولة ماليزيا إلى الاستفادة من مخرجات دار الإفتاء الماليزية بالاطلاع على سجل وأرشيف الدار وما يُنشَر من خلالها، ويجب عليه إجادة اللغة المالاوية أو الاستعانة بمن يجيدها، وهي اللغة الأكثر انتشارًا في ماليزيا.