منذ بدايات ظهور ما أُطلق عليه (الصحوة الإسلامية) ارتبط التدين الصحوي بأمرين في غاية الخطورة الأول: المظهر والشكل. والثاني: التشدد والعنف الحسي والمعنوي، أما عن الأول فقد ازداد تركيز دعاة ما يعرف بالصحوة على ربط الإيمان الذي هو عمل القلب بالشكل الظاهري وأصبح هناك سباقا محموما على الاهتمام بتنمية المظاهر الدالة على التدين أكثر من الاهتمام بإصلاح النفس وتطهير الباطن والتحلي بمكارم الأخلاق.
وأما عن أمر التشدد والعنف، فقد أسست هذه الصحوة على تشويه صورة رموز المجتمع والوطن حتى يجد دعاة هذه الصحوة المبررات الدينية لجذب فئات مختلفة من المجتمع وبخاصة الشباب، فعمد دعاة هذه التيارات إلى تشويه الرموز بتكفير الحكام وادعاء أنهم لا يحكمون بما أنزل الله تعالى، ثم تشويه صورة علماء المؤسسات الدينية الوسطية بأنهم علماء السلطان، وأيضا تشويه صورة المفكرين والكتاب وسائر من يختلف مع تيارات الإسلام السياسي فأختام التكفير والألقاء خارج دائرة الإسلام جاهزة ورصاصات الغدر والاغتيال موجهة، فمن لم تصبه رصاصات الاغتيال الحسي أصابته سهام الاغتيال المعنوي بالتشويه والتجريح وإلقاء التهم والأحكام جزافا، وفي مرحلة ما يعرف بدعوة الكاسيت في السبعينات والثمانينات كان التهافت المحموم على شراء أشرطة دعاة التكفير والتشويه، وكان أكثر الدعاة انتشارا وحضورا وقبولا لدى شباب الصحوة هم أشدهم سبّاً وتشويها ونقدا وتجريحا للرموز من الحكام أو من العلماء أو من الكتاب والمفكرين.
ولما تطورت وسائل النشر والإعلام حتى صرنا إلى مرحلة السوشيال ميديا كان نشاط تلك الجماعات الإرهابية واسعا مكثفا على ذات القاعدتين؛ المفاضلة على المظهر وأيضا المفاضلة على المواقف المتشددة والمسارعة إلى التكفير والتشويه مع استغلال المرونة وحالة اللامسؤلية وإمكانية التخفي التي تكفلها السوشيال خلف الصور والألقاب المستعارة، فكلما كان الداعية أكثر دعوة للتشدد والرفض لأجل الرفض والمعارضة لأجل المعارضة كان هذا أحرى وأدعى إلى قبول آرائه والتفاف المعجبين حوله.
ولما ظهر الفكر الداعشي في هذه المرحلة وهو فكر تكفيري دموي قائم على ممارسة العنف والدموية والتخريب بلا حدود ولا قواعد كانت القاعدة العريضة من الشباب الذي تراكمت في وعيه تجارب الإخوان القديمة والتيارات السلفية المتشددة وأفكار الجهاد والتكفير والهجرة والقطبيين مهيأة بشكل كبير لقبول أفكار داعش، وانتشر عدد كبير من دعاة السوشيال ميديا بمظاهر عصرية جذابة وأنماط حديثة براقة، ولكن بأفكار داعشية ظلامية تدميرية دموية، تدعو إلى العنف وتكفير الحكام ورفض المجتمع وتشويه صورة علماء المؤسسات الدينية الوسطية التي تدعو إلى الإصلاح وإلى التدين الصحيح الذي يتسم بالسماحة ويدعو إلى التعايش وقبول التعددية الدينية والفكرية، صاحب هذه التدين الداعشي على صفحات السوشيال ميديا ظواهر أخلاقية منحطة لم تكن تظهر بعيدا عن الواقع الافتراضي في أوساط أي فئة متدينة مهما كان فكرها متشددا فاسدا، منها التعصب المقيت والتحزب الشديد من قبل فئات الشباب للداعية الذي وافق أهواءهم وغذى لديهم أفكار العنف والتشدد، بحيث أصبح هذا الداعية لديهم كالنبي المعصوم لا يقبلون فيه نقدا ولا لسلوكه إصلاحا أو تقويما مهما كان سلوكا فاسدا مشينا منحطا يترفع عنه من لديه مسحة من عقل أو بقية من خلق، حتى بلغ الأمر بهم الدفاع عن صاحب إيحاءات جنسية فاحشة واتهام منتقدي سلوكه بأنهم أعداء الإسلام، لأنهم انتقدوا خروج الداعية المزعوم عن مكارم الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم فضلا عن داعية، وليس عجيبا أن تقرأ في هذه الصفحات ألفاظا مشينة وسبابا قبيحا وخوضا في الأعراض عند الاختلاف وتبادل وجهات النظر.
فظاهرة التدين الداعشي التكفيري الفاسد على صفحات السوشيال ميديا مهما اتخذت من المظاهر الجذابة والأشكال الحسنة، ما هي إلا امتداد طبعي لجيل تربى على أشرطة الكاسيت التي كانت أداة هؤلاء لنشر كل هذا الفساد العريض باسم الدعوة إلى الله، غاية ما هنالك أن مجال السوشيال ميديا أكثر رحابة لكل من هب ودب من أصحاب الأسماء المستعارة والألقاب المزورة والعقد النفسية الدفينة وأكثر بعدا عن المسؤولية القانونية لسهولة التخفي والتهرب.
ومن ثم فإننا أمام ظاهرة خطيرة تحتاج منا إلى وقفة جادة فلجان الجماعات الإرهابية تجوب هذه الصفحات بخبراتهم الطويلة في مجال التجنيد لتتصيد من الشباب من يلمحون فيه بوادر الاستعداد للانتقال من مرحلة العنف اللفظي والمعنوي إلى مرحلة العنف الحسي الدموي عن طريق الإغراء بالوسائل المختلفة أهمها المال والجنس، وكم فوجئنا بوجود شباب في صفوف داعش بالعراق والشام لم يكن يتوقع منهم أبدا انضمامهم إلى تلك التنظيمات التكفيرية الدموية، من هنا فيجب على كل المؤسسات الدينية والعلمية والإعلامية أن تسخر كل طاقتها لمواجهة هذا الخطر المحموم الذي يدمر عقول الشباب وأخلاقهم ويمحو من أذهانهم صورة التدين الوسطي الذي يتسم بالمرونة والسماحة والتحلي بمكارم الأخلاق حتى تتغير صورة الداعية في عقول الشباب، وتتحول أنظارهم عن دعاة العنف الفكري الذي يؤدي إلى العنف الدموي، إلى دعاة المنهج الوسطي المعتدل.
يجب أن نعطي لدعاة المنهج الوسطي مساحات إعلامية دعوية يصححون من خلالها المفاهيم المغلوطة والأفكار المعوجة، وهذا الجهاد الفكري والدعوي من خلال هذه المنصات التي يتعاطها الشباب هو من أفرض الفروض وأوجب الواجبات في هذا الوقت الذي يحاك بمصرنا الغالية أبشع وأقذر المؤمرات الخبيثة من قبل هذه الجماعات ومن يدعمها من أجهزة أو دول معادية.