والآن ونحن نستقبل شهر رمضان المبارك 2021.. قام المؤشر العالمي للفتوى (GFI)، التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم برصد حوالي ما يقرب من (900) فتوى متعلقة بشهر رمضان على مستوى العالم، كاشفًا عن استمرار سيطرة جائحة كورونا على النسبة الأكبر منها حيث استحوذت على (37%) من جملة فتاوى الشهر الفضيل، وتنوعت موضوعاتها وتباينت، وإن سيطر موضوع الأحكام الشرعية المرتبطة بتلقي لقاح كورونا بنسبة (39%) على مجموع الفتاوى المتعلقة بالجائحة في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بحصر المرض من خلال اكتشاف اللقاحات وتطعيم أكبر عدد من سكان العالم.
"لقاح كورونا وتأثيره على الصيام" .. الفتوى الأبرز للمؤسسات الإفتائية الرسمية
أوضح مؤشر الفتوى أنه منذ العام الماضي، حدث تغير ملحوظ في الفتاوى المتعلقة بالشهر الكريم، فبعد أن كان الاهتمام الأبرز بالمسائل المتعلقة بالعبادات من صيام وقضاء وزكاة وطهارة وكفارة وما شابه، فرضت الجائحة مسائل جديدة شغلت أذهان المستفتيين والمفتين، حيث استحوذت الفتاوى المرتبطة بجائحة كورونا على (37%) من إجمالي فتاوى الصيام، ودارت حول 4 موضوعات رئيسية.
ففي ظل الاهتمام العالمي بإيصال لقاح كورونا لأكبر عدد من المتلقين برزت قضية تأثير الحصول على اللقاح وتحليل PCR على صحة الصيام بنسبة (39%)، تلاها الحديث عن إغلاق المساجد وصلاة التراويح بنسبة (31%)، ثم الحديث عن تعجيل الزكاة وصلة الأرحام بنسبة (22%)، وأخيرًا الفتاوى المتعلقة بإفطار المرأة الحامل والمرضع والكوادر الطبية خوفًا من كورونا بنسبة (8%).
وخرجت النسبة الأكبر من الفتاوى المتعلقة بالجائحة عن المؤسسات الإفتائية الرسمية بنسبة (78%)، وبنسبة أقل الفتاوى غير الرسمية بواقع (22%).
ومن أبرز الجهات الرسمية التي أصدرت تلك الفتاوى (دار الإفتاء المصرية، ولجان الفتوى بالأزهر الشريف، ومجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ودائرة الإفتاء العام الأردنية، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية..)، وحرصت جميعها على إعطاء الأهمية لوقاية المسلمين من الضرر وحفظ النفس، فقد أجازت دار الإفتاء المصرية إفطار المرأة الحامل والمرضع في رمضان إن خافتا على نفسيهما أو على ولديهما والقضاء بعد ذلك، واتفقت كل من دار الإفتاء المصرية ودائرة الإفتاء الأردنية وإدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي على جواز الحصول على اللقاح وعدم تأثيره على صحة الصوم.
وقد توصل مؤشر الإفتاء إلى جاهزية مؤسسات الفتوى الرسمية لمواجهة الحدث واستمرار حرصها على إعطاء الأهمية لوقاية المسلمين من الضرر وحفظ النفس.
كما لفت المؤشر إلى استمرار إشكالية إغلاق المساجد في بعض الدول، وعلى رأسها الأردن وتونس، الأمر الذي أدى إلى دعوة البعض إلى تنظيم احتجاجات حول الأمر، لا سيما في الأردن التي اعترض فيها أغلب الدعاة على إغلاق المساجد في شهر رمضان على الرغم من فتحها لصلاتي الظهر والعصر، وطالبوا الجهات المعنية بالحفاظ على الصحة الدينية والإيمانية، كما يتم الحفاظ على الصحة الجسدية، وأكدوا على أهمية فتح المساجد مع تطبيق الإجراءات الاحترازية التي تضمن سلامة المصلين كما يحدث في العديد من الدول، ومن أبرز المعارضين الداعية إبراهيم الجرمي، ود.رأفت المصري وملتقى علماء الأردن.
فتاوى رمضان الأكثر تكرارًا في الدول المختلفة
وبعد رصده لفتاوى رمضان المتعلقة بكورونا، انتقل مؤشر الفتوى لنقطة أخرى وهي رصد فتاوى رمضان بخلاف فتاوى الجائحة المنشورة باللغة العربية في مواقع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وكذلك ساحات التواصل الاجتماعي والمواقع المتخصصة، فضلًا عن مواقع الشخصيات والدعاة، وقد وجد المؤشر أن أكثر تلك الفتاوى تكرارًا تعلقت بالمجال الطبي وذلك بنسبة (45%) مثل: (حكم الغسيل الكلوي للصائم، وحكم حقن العضل والوريد، ووضع قطرة العين وقطرة الأنف وقطرة الأذن، ونقل الدم، وخلع الأسنان، وبخاخة الربو..).
ومن هنا نادى المؤشر العالمي للفتوى بتخصيص المؤسسات والهيئات الإفتائية لما يطلق عليه (المفتي الطبيب الثقة) للتأكيد على خروج الأحكام الشرعية الخاصة بالمرضى بصورة منضبطة لا تؤثر على صحة الصائمين، وفي الوقت ذاته لا تفوت عليهم صيام الشهر الكريم إن استطاعوا، والمقصد الاستعانة بأهل التخصص في الطب للخروج بأحكام منضبطة.
في حين مثَّلت فتاوى رمضان الخاصة بقضايا المرأة نسبة (30%) في الدول العربية، وذلك كحكم وضع العطور والروائح في نهار رمضان، وأحكام صيام الحامل والمرضع لمن خافت على حملها أو رضيعها، وحكم قراءة القرآن للحائض في نهار رمضان، وحكم وضع الكريمات ومرطبات الجلد، وتذوق الطعام..إلخ.
كما مثَّلت بعض الفتاوى المتنوعة الأخرى نسبة (15%) كحكم الأكل والشرب ناسيًا، وحكم التبرد بالماء، وكثرة المضمضمة في الحر الشديد، والقيء عن عمد وعن غير عمد، وبلع الريق، وحكم صيام من لا يصلي.
أما فتاوى زكاة الفطر من رمضان فجاءت بنسبة (10%) وتنوعت أحكامها بين توقيت إخراجها ومقدارها ومستحقيها من الأقربين أو غيرهم، وخروجها حبوبًا من غالب قوت البلد أو مقدارها مالًا.
فيما أكد المؤشر أن فتاوى الأقليات المتعلقة بشهر رمضان المعظم في الدول الأجنبية كانت حاضرة أيضًا بنسبة كبيرة بلغت (65%) من إجمالي فتاوى الأقليات، وتناولت عددًا من الموضوعات التي ارتبطت بطبيعة الحياة في هذه المجتمعات، وكان أكثرها نشرًا في أكثر من دولة أجنبية: تساؤلات حول مفسدات الصيام والتي جاءت بنسبة (55%)، وكان أهمها هذا العام حكم تلقي لقاح كورونا خلال الصيام، وحكم تناول الصائم لطعام يحتوي على أجزاء الخنزير، وحكم صيام من لا يصلي، وكيفية إثبات دخول شهر رمضان وعدد ساعات الصيام بنسبة (35%)، وأخيرًا أحكام قضاء صيام رمضان وأحكام صيام المرأة بنسبة (10%).
انشغال التنظيمات الإرهابية بالأزمات الداخلية والعمليات الدموية عن استشراف شهر رمضان
من جهة أخرى، أكد مؤشر الفتوى أنه في كل مناسبة تخص المسلمين وحياتهم وعباداتهم، كانت التنظيمات الإرهابية التي تدّعي دفاعها عن الإسلام بعيدة كل البعد عن ذلك؛ بل تقتصر أهدافها على مصالحها السياسية التي تسعى إليها من خلال عملياتها الدموية.
واستشرافًا لشهر رمضان المبارك، وفي ظل تفشي جائحة كورونا، لم تبلغ نسبة فتاوى التنظيمات الإرهابية مجتمعة للاستعداد للشهر سوى (10%) فقط، وغابت تمامًا عن تنظيم "داعش" الذي انشغل بالاحتفال خلال مجلته النبأ في عددها 280 السابق على شهر رمضان بسيطرته على مدينة "بالما" في موزمبيق وقتل العشرات من رجال الأمن والمدنيين، والاحتفال بالكشف عن الجواسيس في صفوفه.
ونفس الأمر بالنسبة لتنظيم لقاعدة في الجزيرة العربية وزعيمها "خالد باطرفي"، الذي استغل خلال العام الماضي شهر رمضان لعلاج التفكك الداخلي للتنظيم من خلال "الحلقات الرمضانية" الدعوية التي كان يقدمها لأتباعه طوال الشهر الكريم، والتي يتوقع المؤشر أن تعود هذا العام مرة أخرى لنفس الهدف، ولكن لم يستشرف التنظيم الشهر بالاستعداد له إفتائيًّا أو دعويًّا ولكنه انشغل أيضًا بصراعه مع جماعة الحوثي في اليمن، وإعادة توازنه الداخلي بعد اختراقه داخليًّا.
فيما أكد المؤشر أن التنظيم الوحيد الذي اهتم باستشراف الشهر بنشر الفتاوى والدروس الدعوية كان "حركة الشباب المجاهدين" بنسبة (20%) من إجمالي خطابها الإفتائي، وتنوعت بين مسابقات تحفيظ القرآن للأطفال والشباب، والكلمات الصوتية التي تحث على حسن استقبال الشهر بالطاعات والعبادات، ومنها الكلمة الصوتية باللغة الصومالية: "كيف نستقبل شهر رمضان" للشيخ "عبد الإله"، ومحاضرة أسبوعية بعنوان: "الصيام وأحكامه" للشيخ "حسن حسين"، وأخرى بعنوان: "خصائص صيام النبي صلى الله عليه وسلم" لشيخ راحل يدعى "بقولسون". وهي التحركات التي دائمًا ما تقوم بها الحركة لضمان الحفاظ على شعبيتها في المناطق التي تسيطر عليها، إلى جانب استقطابها لفئة الأطفال والشباب من خلال الجوانب الدعوية.
واختتم المؤشر تقريره بالتأكيد عن أنه وللعام الثاني على التوالي تسيطر قضايا كورونا على الساحة الإفتائية بصفة عامة وعلى الساحة الرمضانية بصفة خاصة، فكانت أغلب القضايا مرتبطة بالجائحة، ودعا المؤشر إلى التوقف والدراسة لهذه القضايا وتبعاتها.